سنة من عمر حكومة ميقاتي.. “معاً للإنقاذ” أم “معاً للانهيار”
في 10 أيلول 2021، وبعدما استمرّت حكومة الرئيس حسّان دياب لأطول فترة في تاريخ الحكومات اللبنانية (13 شهراً) في تصريف الأعمال، صدر المرسوم الرقم 8376 بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي.
حمل البيان الوزاري للحكومة عنوان “معاً للإنقاذ” متضمّناً الكثير من الوعود والمشاريع. اليوم، وبعد مرور سنة على تولّيها المسؤولية، وعلى رغم اعتبارها مستقيلة مع بدء مجلس النواب ولايته الجديدة في 22 أيار 2022، قد يكون من المفيد مراجعة ما قامت به الحكومة، هل نجحت أم أخفقت، استناداً الى ما ورد في بيانها الوزاري؟
وفي تقرير شامل أجرته “الدولية للمعلومات” وجدت أنه منذ البيان الوزاري الأول لحكومة الإستقلال، والبيانات الوزارية تُستنسخ بعضها عن بعض، مع تلوينات تعكس أحداث الساعة. غير أنّ الأمور الأساسية المرتبطة بإصلاح القطاع العام، تطوير القوانين وتطبيقها على الجميع، “تنشيط الاقتصاد”، “ترشيد الإنفاق”، “الإنماء المتوازن”، التعليم، الصحة، الكهرباء، المياه، والنقل العام؛ لا تزال تلقى الكلام المنمّق عينه، لتأتي النتيجة، مع الحكومات كافة، مخيبةً للآمال.
لذلك لا تتحمّل حكومات الحريري (الأخيرة) ودياب وميقاتي، وحدها، مسؤولية الفشل.
ولكنّ حكومة “معًا للإنقاذ” وضعت على عاتقها مسؤولية الإنقاذ، وحدّدت أمورًا التزمت تنفيذها وحازت الثقة على أساسها.
لم يقم مجلس النواب بمساءلتها، فكيف على القوى السياسيّة ذاتها، أن تقوم بالمساءلة، وهي ممثَّلة في مجلس الوزراء؟
لا يستطيع رئيس الحكومة ادّعاء أية “إنجازات”، فالأوضاع والوقائع تتحدث ببلاغة محزنة عن الفظائع والفواجع والمآسي المتراكمة. غير أنّ بوسع رئيس الحكومة القول إنّه لم يتمكّن من “الإنقاذ” لأنّ حكومته تقول “معًا” وهذه الـ”نحن” لم تتحقّق، وبالتالي وقع الفشل، وليس وحده المسؤول. ستقول الحكومة إنّها “أنجزت” موازنتي العامين 2021 و2022 ولكنّ الاخيرة لم تقرّ في مجلس النواب، وأنّ هذا المجلس لا يزال ينظر في قانون “الكابيتال كونترول” الذي أحالته الحكومة منذ أشهر إليه وخطة التعافي التي يتمّ تعديلها وتبديلها ولكنها لا تزال قيد النقاش، وأنّها “أنجزت” قانون السريّة المصرفية وأنّها أيضاً بصدد إنجاز “قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة الودائع”.
من الواجب أن يستفيد رؤساء الحكومات المقبلون من هذه المراجعة لحكومة الرئيس ميقاتي، فيعدّلون في البيانات الوزارية لتأتي عمليّة وقابلة للتنفيذ وخاضعة لمقاييس محدّدة بعيداً من الكلام الإنشائيّ والعام. فبدلًا من الكلام عن أهميّة الجامعة اللبنانية، على سبيل المثال، يشار إلى تغذية ميزانيتها بمبالغ محدّدة، وإلى رفع مستواها العلمي بحيث تنتقل من درجة معيّنة عالميًا إلى درجة أرفع، وأن تتحسّن كلياتها لتنافس الجامعات الخاصة من خلال تطوير المناهج ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وهكذا يستطيع مجلس النواب والباحثون قياس مدى تحقيق هذه الالتزامات.
لقد آن الأوان للسياسيين في لبنان أن يعلموا أنهم لن يتمكنوا من اتّباع الأساليب عينها التي أوصلتنا إلى الكارثة لتخرجنا منها.
“معًا للإنقاذ” لم تكوّن الرؤية ولا الإرادة حتى تتمكّن من جمع أصحاب القرار حولها لتحقيق “الإنقاذ”، لأسباب بسيطة، فالرؤية لم تكن هنا بل في مكان آخر، حيث توافرت الإرادة فأصرّت الكتلة السياسية المالية على استبقاء ذاتها بإرادة مستعارة من الخارج، ومستولدة ومستدامة من انعدام المعرفة، وانهيار القيم وتخويف الطوائف من بعضها البعض واستفحال أنانيات الداخل.
وما نقوم به اليوم من مراجعة لعمل هذه الحكومة ليس عملاً يتيماً ووحيداً في تقويم الحكومات، بل هو حلقة في مسار بدأته “الدولية للمعلومات” في تقويم عمل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، بعد مرور 100 يوم على تشكيلها، وتأخرنا إلى اليوم لإعطاء الوقت والفرصة، فقد كنّا نجري استطلاعات رأي حول موقف اللبنانيين من الحكومات أين أخطأت برأيهم وأين أصابت، مع تقويم وبحثٍ في الإنجازات والإخفاقات، ونقوم بنشرها. وآخر ما كتبناه كان عن الحكومة السابقة التي ترأسها حسّان دياب، وقلنا إنّ هذه الحكومة تفتقد “الخبرة والإرادة لأخذ القرارات المتوجبة في الأزمات”، و”عدم التصدي بحكمة وحزم لكارتيلات المصارف والنفط والدواء والمستلزمات الطبية والقمح وغيرها ممن سيطروا على حقوق الدولة والناس” (نُشرت في صحيفة “النهار” يوم الاثنين في 9 آب 2021). ونحن نعتقد أن أيّ استطلاع للرأي العام اللبناني حول موقفه من الحكومة قد يعطي الحكومة تقويمًا سيّئًا أو “دون المقبول”.
في قراءة للبيان الوزاري لحكومة “معاً للإنقاذ”، نرى أنها شدّدت على عدد من الأولويّات التي ستعمل على تحقيقها. وهنا، سنضع النقاط التي وردت في البيان الوزاري بين قوسين ومن ثم نقيس ما أنجِز.
1– الأمن
“حماية اللبنانيين وأرزاقهم وتعزيز سلطة الدولة وحماية المؤسسات”
الأمن مستتب، ولكن جرائم القتل والسرقة واستباحة المؤسّسات تشهد ارتفاعاً ملحوظاً. (مراجعة تقارير “الدولية للمعلومات” بعنوان “المؤشرات الأمنية” التي تُنشر شهرياً).
2- عودة النازحين السوريين
“متابعة العمل لعودة النازحين السوريين وتعزيز التواصل مع المجتمع الدولي للمساهمة في مواجهة أعباء النزوح”
لم يتحقق أي إنجاز في هذا الأمر واستمرّ عبء النزوح السوري قائماً.
3- إجراء الانتخابات
“إجراء الانتخابات النيابية في موعدها”
نجحت الحكومة في هذا الأمر.
“إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية”
لم تقم الحكومة بأيّ خطوة لإجراء هذه الانتخابات، وتمّ تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية حتى شهر أيار 2023.
4- صندوق النقد
“استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول الى اتّفاق على خطة دعم من الصندوق تنطلق من خطة التعافي”
المفاوضات لم تصل إلى نتيجة حتّى الآن، وخطة التعافي لم تُنجز نهائياً وتتبدل تبعاً للظروف.
5- الإصلاح المصرفي
“وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم وتنشيط الدورة الاقتصادية”
لم يتحقق أي شيء، واستمرّ الوضع المصرفي بالتراجع. كما أن سعر صرف الدولار قد ارتفع إبان تولّي الحكومة مهامها من نحو 21 ألف ليرة إلى 37 ألف ليرة بتاريخ 15 أيلول الحالي، أي بارتفاع مقداره 16 ألف ليرة ونسبته 76.1%، وهذا ما ألهب الأسعار وأفقد الليرة ما بقي من قيمتها ومن قدرتها الشرائية. كما تراجعت احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بمقدار 4.5 مليارات دولار وأصبحت أقل من 10 مليارات دولار، وتحديداً 9.7 مليارات دولار، وفقاً لأرقام مصرف لبنان الرسمية المعلنة. ولم يتم تصنيف المصارف وتحديد التي تستطيع الاستمرار ولا إعادة رسملتها.
6- “الكابيتال كونترول”
“السّعي، بالتعاون مع مجلس النواب، لإقرار قانون الكابيتال كونترول، كما وضع مشروع قانون من شأنه معالجة الأوضاع المالية والمصرفية”
كل هذه الخطوات لا تزال قيد النقاش ولم يلمس اللبنانيون أيّ تبدّل في أوضاعهم، وهناك خطط تُعدّ وتُسحب وتُبدّل، وّفي حالة من التخبّط.
7- المبادرة الفرنسية
“تثمين المبادرة الفرنسية والتزام بنودها بكل شفافية وبتوصيات الإصلاح والتعافي”
لم يلمس اللبنانيون كيف تمّ تثمين “هذه المبادرة”، ولعلّ الجانب الفرنسي لمس عدم الجديّة في تنفيذها.
8– زيادة الرواتب والأجور
“العزم على تصحيح الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام”
حصل العاملون في القطاع العام على شهرٍ إضافي، وبدل إنتاجية عن كل يوم حضور، وزيادة في بدل النقل. ولكنّها زيادات لم تحقّق ما يصبو إليه العاملون لاستعادة قدرتهم الشرائية وبخاصة بعد ارتفاع سعر الصرف.
9- التهرّب الضريبي والجمارك
“الحدّ من التهرّب الضريبي وإنجاز تشريع جديد للجمارك، إضافة الى إقرار قانون تحديث المعاملات العقارية”
الوضع لا يزال على حاله من الروتين والبطء في إنجاز المعاملات.
10- القضاء
“استكمال تعيين أعضاء مجلس القضاء الأعلى وإنجاز التشكيلات القضائية والسعي لإقرار قانون استقلالية السلطة القضائية والإسراع في المحاكمات”
التزامات ووعود لم تتحقّق والقضاء مُضرب عن العمل ومعطل.
11- الكهرباء
– “زيادة في ساعات التغذية الكهربائية في مرحلة أولى وتأمين الكهرباء للمواطنين بأسرع وقت والعمل على تنويع مصادر الطاقة وغيرها من الوعود في مجال الطاقة”
لم يتحقق أي إنجاز بل إنّ ساعات التغذية بالكهرباء تراجعت منذ تولي الحكومة مهامها، وأصبحت ساعة واحدة يومياً أو أقل.
12- شبكة الأمان الاجتماعي
“السعي لتأمين شبكة أمان اقتصادي – اجتماعي – صحي لاستعادة القدرة الشرائية وتفعيل المؤسّسات الاجتماعية الضامنة وتوسيع تغطية التقديمات على اختلاف أنواعها”
ما تحقق هو خلاف ذلك، واستمرّ تراجع القدرة الشرائية مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فأسعار جميع السلع ارتفعت (مع الإقرار بأنّ بعض أسباب الارتفاع عالمية ولا شأن للحكومة بها)، وبلغت مستويات خيالية لا سيما الدواء والمحروقات حيث ارتفع سعر صفيحة البنزين من 174 ألف ليرة الى 618 ألف ليرة في وقت لم تبصر خطة النقل الموعودة النور.
13- قطاع الصحة والتغطية الصحيّة الشاملة
“معالجة الأزمات التي طرأت على قطاع الصحة وتطوير خدمات الرعاية الصحية والحدّ من عدم المساواة وصولاً إلى التغطية الصحية الشاملة”
ازداد الوضع تدهوراً، وأصبحت الكلفة الصحيّة مرتفعة حتى على المستفيدين من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد، فالفارق بين ما تسدّده هذه الجهات وفاتورة المستشفى التي يتحمّلها المريض أصبح يتجاوز عشرات الملايين من الليرات وصولاً إلى المئات. وطبعاً لم يكن من الممكن تحقيق الوعود، لا سيما التغطية الصحية الشاملة، خلال الفترة القصيرة من ولاية الحكومة.
14- الجامعة اللبنانية والتعليم المهني
“تعزيز دور الجامعة اللبنانية وتعزيز التعليم المهني”
وعود لم تتحقّق والجامعة في حالة صعبة جداً وانطلاقة العام الدراسي شبه مستحيلة. معظم طلاب الجامعة اللبنانية ينتظرون استكمال المنهاج الدراسي وإجراء الانتخابات والحصول على شهاداتهم.
15- تطوير الاقتصاد الوطني
“اتّخاذ إجراءات عاجلة لتطوير الاقتصاد الوطني يستند الى التخصصية في الإنتاج، اضافة إلى دعم المؤسسات المرتبطة بالصناعة وتشجيع قطاع الصناعات والمنتجات اللبنانية الطبية والدوائية”
إن القطاع الصناعي يمرّ بأصعب مراحله، ويعاني من ارتفاع الكلفة والتراجع في القدرة التنافسية على رغم انهيار سعر صرف الليرة.
16- القطاع الزراعي
“دعم القطاع الزراعي وتشجيعه”
وعود لم تتحقق لأن الأمر يستلزم خطة طويلة الأمد في هذا القطاع ومن البديهي ألا يتم ذلك في بضعة أشهر.
17- قطاع الاتصالات
“إعادة تأهيل قطاع الاتصالات”
وضع القطاع في حالة تراجع على رغم رفع التعرفة بزيادة نحو 5 مرات، واليوم هناك تهديد فعلي بوقف الاتصالات مع إضراب موظفي أوجيرو. ويبقى خطر التوقّف قائمًا في حال تراجعوا عن الإضراب، لعدم القدرة على تشغيل السنترالات بفعل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المازوت.
18- خطة النقل العام
“السعي لإنجاز خطة شاملة للنقل واعتماد آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص”
لا يزال النقل العام وعداً تكرّره الحكومات كلّها، ومنها هذه الحكومة، ولم يتحقّق أي من الالتزامات في هذا المجال.
19- البيئة
“وضع استراتيجية شاملة للبيئة المستدامة والتأكّد من تطبيق قانون معالجة تلوّث نهر الليطاني وبحيرة القرعون”
التدهور البيئي وتلوّث الليطاني والقرعون لا يزالان مستمرين، ومشكلة النفايات أزمة من دون حل.
20- التعيينات الإدارية
“ملء الشغور من خلال تعيينات تعتمد الكفاءة والنزاهة بعيداً من المحسوبيات والعمل على إقرار قانون تقويم أداء الموظفين في القطاع العام وإنجاز المسح الشامل والتوصيفي الوصفي”
لا يزال الشغور قائمًا في العديد من المواقع الأساسية، اضافة إلى الانهيار العام والشلل في القطاع العام.
حازت حكومة الرئيس ميقاتي علامة 1/20 وذلك نتيجة اعتماد المنهجية الآتية:
1- تعداد معظم الوعود والالتزامات المحدّدة في البيان الوزاري.
2- إعطاء أوزان متساوية لكل وعد. الوعد الواحد= 1
3- إهمال ما ورد في تصريحات رئيس الحكومة والوزراء من وعود والتزامات إضافية، معظمها لم يتحقق.
قد تُنتقد “الدولية للمعلومات” لناحية عدم إعطاء أوزان مختلفة للوعود والالتزامات المتعددة. ولكن هنا قد نقع في خلل، فقد يعتبر أحدهم أن إجراء الانتخابات يستحق 20/10، بينما يعتقد آخر أن عدم تطبيق “الكابيتال كونترول” يستحق -20/10، وأن غياب خطة التعافي يُسقط أي عمل آخر قامت به الحكومة، وهكذا دواليك. لذلك ارتأينا المنهجية البسيطة والواضحة وغير الخاضعة للتقويمات الذاتية.
لقد جاءت هذه الحكومة لوقف الانهيار، الذي لا تتحمّل مسؤوليته، لكنّها فشلت. لم يتوقّف الانهيار وازداد الوضع تراجعاً. وتضمّن البيان الوزاري بنوداً ووعوداً والتزامات أخرى في مجالات عدة أخرى. وجاءت النتيجة مخيّبة، فحكومة “معاً للإنقاذ” لم يكن لديها وضوح في الرؤية ولم تضع برنامجاً واضحاً واستراتيجية للتنفيذ وبالتالي لم تتمكّن من لجم الانهيار والتفتّت، فكيف تستطيع “الإنقاذ”؟